معايير التسجيل لدرجة الدكتوراه... تعقيد أم تجويد؟؟

أ.د محمد عامر المارديني رئيس جامعة دمشق

تعد درجة الدكتوراه إحدى أعلى الدرجات التي يمكن أن تمنحها جامعة ما، وهي تعكس بمواضيعها وبحامليها صورة حقيقية لحال البحث العلمي الذي تعيشه الجامعة، وبكلمة أفضل تظهر مدى الارتقاء العلمي الذي وصلت إليه هذه الجامعة، ناهيك

عن أن التصنيف العالمي للجامعات مرتبط بشكل مباشر بنشر الأبحاث العلمي في المجلات العالمية المحكمة والذي يقع معظمه على كاهل الباحثين من طلبة الدكتوراه، بالإضافة إلى أعضاء الهيئة التعليمية. ولا يخفى على أحد أن تصنيف جامعاتنا لدى معظم المؤسسات العالمية المعنية بهذا المجال بات في مهب الريح... وكل سنة يشهد تراجعاً مقلقاً حتى على المستوى العربي بعد أن كانت الريادة لجامعاتنا... ولجامعة دمشق تحديداً. (راجع موقع Webometrics).
لدى جامعة دمشق حالياً أكثر من مئة وثمانين برنامجاً مفتتح فيها درجة الماجستير، وبنحو نصفها درجة الدكتوراه... إضافة إلى عدد كبير من برامج التأهيل والتخصص وذلك لإفساح المجال لحملة شهادات البكالوريوس للالتحاق ببرامج أكاديمية خالصة أو برامج تخصصية مهنية تخدم التنمية في المجتمع.

ويمتد برنامج الماجستير بشقيه الأكاديمي والتخصصي على عامين على الأقل، يجتاز الطالب في عامه الأول مجموعة من المقررات الدراسية وفي العام الثاني يبدأ تحضير الرسالة لدى الماجستير الأكاديمي، أو يبدأ تدريباً مستمراً لدى الماجستير التخصصي، ونادراً ما يتخرج الطالب في الماجستير الأكاديمي خلال سنتين، وغالباً ما يحتاج إلى سنة ثالثة ورابعة في بعض الأحيان للدفاع عن أطروحته.
وقد حدد قرار مجلس التعليم العالي رقم 431 تاريخ 16/ 9/ 2012 نسبة الإشراف لكل عضو هيئة تدريسية على طـلاب الدراسات العليا بحيث لا تتجاوز في معظمها ست رسائل (4 ماجستير و2 دكتوراه) في الكليات التطبيقية وثمان في الكليات النظرية، وهذا يعني أن العدد الأكبر من الإشرافات يستنفذ لدى طلاب الماجستير نظراً لأن القوانين النافذة تعطيهم الأولوية في الإشراف، كما تعطيهم أيضاً فرصاً للتمديد تصل لأربع سنوات للحصول على درجة الماجستير، الأمر الذي يعيق غالباً استقبال طلاب جدد بأعداد أكبر أو مماثلة على الأقل، كما يقلل من فرص تسجيل رسائل الدكتوراه.
وعلى اعتبار أن عدد المتقدمين لتسجيل رسائل الدكتوراه كبير جداً فكان لا بد من اتباع نظام يفاضل بين المتقدمين نظراً لمحدودية عدد المقبولين، ما اضطر جامعة دمشق وضع معايير للمفاضلة تكريساً لمبدأ العدالة بين جمهور المتقدمين من الطلبة، ولانتخاب المجتهدين فقط. ومن أهم معايير المفاضلة لتسجيل الدكتوراه كان الاعتماد على النشر العلمي لأبحاث الماجستير وعدم إبقائها حبيسة المستودعات بعد أن تكلفت عليها الدولة ملايين الليرات (60 مليون فقط للعام 2011)، نظراً لأهمية النشر العلمي في رفع تصنيف الجامعة، آخذين بالاعتبار أن مجموع ما نشرته الجامعات السورية في المجلات العالمية المحكمة لم يبلغ نسبة تجاوزت 1 % مما نشرته مثلاً مصر وأقل بكثير، مما نشرته إيران وتركيا، وهذا ما رمى بجامعاتنا إلى ذيل التصنيف العالمي.
من المعلوم أيضاً أن أغلب الجامعات الإقليمية والعالمية اعتمدت اختبار TOFEL كمتطلب أساسي لمهارات الباحثين نظراً لكون معظم المراجع العلمية منشورة باللغة الإنكليزية علماً أن جامعة دمشق اعتمدت اختباراً مكافئاً لاختبار TOFEL، وقد جرى تقسيم الطلاب إلى شرائح مستويات تبعاً للاختصاص، أي إن المعدل المطلوب من المرشحين في كلية الطب يختلف تماماً عن المعدل المطلوب للمرشحين في قسم اللغة العربية أو كلية الحقوق، كما أن الجامعة قدمت جميع التسهيلات لإجراء الامتحانات والدورات في المعهد العالي للغات التابع لها. علماً أن العديد من الجامعات العالمية، والعربية تحديداً، تضع شرط المعرفة بلغة أجنبية ثانية كالفرنسية أو الألمانية إضافة لإتقان اللغة الإنكليزية.
إن امتحان مستوى الطالب في المهارات الحاسوبية هو امتحان مقر في أغلب جامعات العالم كشرط قبول، كما أن بعض الجامعات تضع اختباراً صعباً إضافياً لمرشحي بعض الاختصاصات كالاقتصاد وإدارة الأعمال كاختباري:


(Miller Analogies Test, Graduate Management Test)
ولا يمكن العتب على جامعة دمشق إن وضعت على الباحثين شرط الحصول على شهادة ICDL التي أصبحت متطلباً لمعظم وظائف الدولة ولمعلمي المرحلة الابتدائية في الدول المجاورة لسورية. كما تعتمد العديد من الجامعات العالمية على شهادات الخبرة ومدى طبيعة العمل بالتخصص الذي يختاره طالب الدراسات العليا، كما تعطى مساحة واسعة للمقابلة الشخصية مع مجموعة ممتازة من أساتذة القسم يمكن من خلالها التعرف على امتلاك الطالب للمهارات البحثية المطلوبة.
أما أهم شرط للقبول في التسجيل لدرجة الدكتوراه فهو معدل درجة الماجستير... وهو حق للمتفوقين لا يمكن التنازل عنه ولا يمكن بحال من الأحوال ما دام عدد المقبولين محدوداً إلا الاعتماد على نظام مفاضلة ينتخب الأجدر والأكثر تفوقاً مع تقديرنا لطموح جميع الراغبين في متابعة البحث العلمي.
إن جامعة دمشق ترغب حقاً في تجويد أبحاثها، كما تحاول بكل مسعى للارتقاء على سلم التصنيف العالمي للجامعات، ولن يثنيها عن ذلك أي عائق، ولن تكون بأي حال من الأحوال مؤسسة لإصدار شهادات للدكتوراه أو للماجستير.




عداد الزوار / 801297755 /